شرح
جمع الجوامع لابن السبكي : (مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ) أَيْ افْعَلْ (لِطَلَبِ
الْمَاهِيَّةِ لَا التَّكْرَارِ وَلَا مَرَّةَ وَالْمَرَّةُ ضَرُورِيَّةٌ) إذْ لَا
تُوجَدُ الْمَاهِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. (وَقِيلَ)
الْمَرَّةُ (مَدْلُولَةٌ) وَيُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
بِقَرِينَةٍ (وَقَالَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إسْحَاقَ الإسفراييني (وَ) أَبُو
حَاتِمٍ (الْقَزْوِينِيُّ) فِي طَائِفَةٍ (لِلتَّكْرَارِ مُطْلَقًا) وَيُحْمَلُ
عَلَى الْمَرَّةِ بِقَرِينَةٍ (وَقِيلَ) لِلتَّكْرَارِ (إنْ عَلِقَ بِشَرْطٍ أَوْ
صِفَةٍ) أَيْ بِحَسَبِ تَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِهِ نَحْوُ {وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}، وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} تُكَرَّرُ الطَّهَارَةُ وَالْجَلْدُ بِتَكَرُّرِ
الْجَنَابَةِ وَالزِّنَا وَيُحْمَلُ الْمُعَلَّقُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَرَّةِ بِقَرِينَةٍ كَمَا فِي أَمْرِ الْحَجِّ
الْمُعَلَّقِ بِالِاسْتِطَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْ الْأَمْرُ فَلِلْمَرَّةِ
وَيُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ بِقَرِينَةٍ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) عَنْ الْمَرَّةِ
وَالتَّكْرَارِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا
وَلَا نَعْرِفُهُ قَوْلَانِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا
بِقَرِينَةٍ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَأَمْرِ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ وَأَمْرِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَلْ هُوَ
حَقِيقَةٌ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي
أَحَدِهِمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَلَا نَعْرِفُهُ أَوْ هُوَ لِلتَّكْرَارِ
لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ أَوْ الْمَرَّةُ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ أَوْ فِي
الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ
وَهُوَ الْأَوَّلُ الرَّاجِحُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالتَّكْرَارِ فِي الْمُعَلَّقِ
أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا ذُكِرَ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ
بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ التَّكْرَارَ حِينَئِذٍ إنْ سَلِمَ
مُطْلَقًا أَيْ فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّةُ الْمُعَلَّقِ بِهِ مِنْ خَارِجٍ
أَوْ لَمْ تَثْبُتْ لَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ. ثُمَّ التَّكْرَارُ عِنْدَ
الْأُسْتَاذِ وَمُوَافِقِيهِ حَيْثُ لَا بَيَانَ لِأَمَدِهِ يَسْتَوْعِبُ مَا
يُمْكِنُ مِنْ زَمَانِ الْعُمْرِ لِانْتِفَاءِ مُرَجِّحِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ
فَهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّكْرَارِ فِي الْمُعَلِّقِ بِتَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِهِ
مِنْ بَابِ أَوْلَى وَبِالتَّكْرَارِ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْمُعَلَّقُ
بِهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الْمَرَّةِ فَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ
مُطْلَقًا (وَلَا لِفَوْرٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْأَمْرَ
لِلْفَوْرِ أَيْ الْمُبَادَرَةِ عَقِبَ وُرُودِهِ بِالْفِعْلِ وَمِنْهُمْ
الْقَائِلُونَ لِلتَّكْرَارِ (وَقِيلَ لِلْفَوْرِ أَوْ الْعَزْمِ) فِي الْحَالِ
عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ (وَقِيلَ) هُوَ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْفَوْرِ
وَالتَّرَاخِي أَيْ التَّأْخِيرِ (وَالْمُبَادِرُ) بِالْفِعْلِ (مُمْتَثِلٌ
خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ) امْتِثَالَهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَمْرُ
لِلتَّرَاخِي (وَمَنْ وَقَفَ) عَنْ الِامْتِثَالِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى
قَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ أَوُضِعَ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ أَمْ لِلتَّرَاخِي
وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَأَمْرِ الْإِيمَانِ وَأَمْرِ
الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ التَّرَاخِي فِيهِ غَيْرَ وَاجِبٍ فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ
فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي
أَحَدِهِمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَلَا نَعْرِفُهُ أَوْ هُوَ لِلْفَوْرِ
لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ أَوْ التَّرَاخِي لِأَنَّهُ يَسُدُّ عَنْ الْفَوْرِ
بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِامْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ
بَيْنَهُمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ الْأَوَّلُ
الرَّاجِحُ أَيْ طَلَبُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِوَقْتٍ مِنْ فَوْرٍ
أَوْ تَرَاخٍ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ (الرَّازِيُّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ
(وَ) الشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ (الشِّيرَازِيُّ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (وَعَبْدُ
الْجَبَّارِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (الْأَمْرُ) بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ (يَسْتَلْزِمُ
الْقَضَاءَ) لَهُ إذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ لِإِشْعَارِ الْأَمْرِ بِطَلَبِ
اسْتِدْرَاكِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ
الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ) كَالْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {مَنْ
نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا}. وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ {إذَا
رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا} وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا
مُطْلَقًا وَالشِّيرَازِيُّ مُوَافِقٌ لِلْأَكْثَرِ كَمَا فِي لُمَعِهِ وَشَرْحِهِ
فَذِكْرُهُ مِنْ الْأَقَلِّ سَهْوٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْإِتْيَانَ
بِالْمَأْمُورِ بِهِ) أَيْ بِالشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ
(يَسْتَلْزِمُ الْإِجْزَاءَ) لِلْمَأْتِيِّ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ
الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ
لَا يَسْتَلْزِمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ لِجَوَازِ أَنْ لَا
يُسْقِطَ الْمَأْتِيُّ بِهِ الْقَضَاءَ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا
كَمَا فِي صَلَاةِ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ (وَ)
الْأَصَحُّ (أَنَّ الْأَمْرَ) لِلْمُخَاطَبِ (بِالْأَمْرِ) لِغَيْرِهِ
(بِالشَّيْءِ) نَحْوُ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} (لَيْسَ أَمْرًا) لِذَلِكَ
الْغَيْرِ (بِهِ) أَيْ بِالشَّيْءِ وَقِيلَ هُوَ أَمْرٌ بِهِ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةَ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ. وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ
الْمُخَاطَبِ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ
{أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا}
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْآمِرَ) بِالْمَدِّ (بِلَفْظٍ يَتَنَاوَلُهُ) كَمَا فِي
قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ أَكْرِمْ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك. وَقَدْ أَحْسَنَ
هُوَ إلَيْهِ (دَاخِلٌ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ مَا
أَمَرَ بِهِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرُ نَفْسَهُ
وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا فِي
قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ تَصَدَّقْ عَلَى مَنْ دَخَلَ دَارِي وَقَدْ دَخَلَهَا هُوَ
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ النِّيَابَةَ تُدْخِلُ الْمَأْمُورَ) بِهِ مَالِيًّا
كَالزَّكَاةِ أَوْ بَدَنِيًّا كَالْحَجِّ بِشَرْطِهِ (إلَّا لِمَانِعٍ) كَمَا فِي
الصَّلَاةِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ لَا تَدْخُلُ الْبَدَنِيَّ لِأَنَّ
الْأَمْرَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِقَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِهَا بِفِعْلِهِ
وَالنِّيَابَةُ تُنَافِي ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحَجِّ قُلْنَا لَا
تُنَافِيهِ لِمَا فِيهَا مِنْ بَذْلِ الْمُؤْنَةِ أَوْ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ.
(مَسْأَلَة:ٌ قَالَ الشَّيْخُ) أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ (وَالْقَاضِي)
أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ)
إيجَابًا أَوْ نَدْبًا (نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ) تَحْرِيمًا أَوْ
كَرَاهَةً وَاحِدًا كَانَ الضِّدُّ كَضِدِّ السُّكُونِ أَيْ التَّحَرُّكِ أَوْ
أَكْثَرَ كَضِدِّ الْقِيَامِ أَيْ الْقُعُودِ وَغَيْرِهِ. (وَعَنْ الْقَاضِي)
آخِرًا أَنَّهُ (يَتَضَمَّنُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّضَمُّنِ (عَبْدُ
الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيُّ (وَالْآمِدِيُّ)
فَالْأَمْرُ بِالسُّكُونِ مَثَلًا أَيْ طَلَبُهُ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ
التَّحَرُّكِ أَيْ طَلَبِ الْكَفِّ عَنْهُ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ بِمَعْنَى أَنَّ
الطَّلَبَ وَاحِدٌ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّكُونِ أَمْرٌ وَإِلَى
التَّحَرُّكِ نَهْيٌ كَمَا يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى
شَيْءٍ قُرْبًا وَإِلَى آخَرَ بُعْدًا. وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا
يَتَحَقَّقُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِدُونِ الْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ كَانَ طَلَبُهُ
طَلَبًا لِلْكَفِّ أَوْ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِهِ وَلِكَوْنِ النَّفْسِيِّ هُوَ
الطَّلَبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ سَاغَ لِلْمُصَنِّفِ نَقْلُ التَّضَمُّنِ
فِيهِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ
لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ) هُوَ
(لَا عَيْنُهُ وَلَا يَتَضَمَّنُهُ) وَالْمُلَازَمَةُ فِي الدَّلِيلِ مَمْنُوعَةٌ
لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْضُرَ الضِّدُّ حَالَ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَطْلُوبَ
الْكَفِّ بِهِ (وَقِيلَ أَمْرُ الْوُجُوبِ يَتَضَمَّنُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ أَمْرِ
النَّدْبِ فَلَا يَتَضَمَّنُ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ لِأَنَّ الضِّدَّ فِيهِ لَا
يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ الضِّدِّ فِي أَمْرِ
الْوُجُوبِ لِاقْتِضَائِهِ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ وَاقْتَصَرَ عَلَى
التَّضَمُّنِ كَالْآمِدِيِّ وَإِنْ شَمِلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْهُمْ مَنْ
خَصَّ الْوُجُوبَ دُونَ النَّدْبِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا أَخْذًا بِالْمُحَقَّقِ
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنٍ عَنْ الْمُبْهَمِ مِنْ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ
الْأَمْرُ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَاصَدَقَهُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ مِنْهَا وَلَا
مُتَضَمِّنًا لَهُ قَطْعًا وَبِالْوُجُودِيِّ عَنْ الْعَدَمِيِّ أَيْ تَرْكِ
الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْهُ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ قَطْعًا
وَالتَّضَمُّنُ هُنَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِلْزَامِ لِاسْتِلْزَامِ الْكُلِّ
لِلْجُزْءِ. (أَمَّا) الْأَمْرُ (اللَّفْظِيُّ فَلَيْسَ عَيْنَ النَّهْيِ)
اللَّفْظِيِّ قَطْعًا (وَلَا يَتَضَمَّنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ
يَتَضَمَّنُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ اُسْكُنْ مَثَلًا فَكَأَنَّهُ
قِيلَ لَا تَتَحَرَّكْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ السُّكُونُ بِدُونِ
الْكَفِّ عَنْ التَّحَرُّكِ (وَأَمَّا النَّهْيُ) النَّفْسِيُّ عَنْ شَيْءٍ
تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً (فَقِيلَ) هُوَ (أَمْرٌ بِالضِّدِّ) لَهُ إيجَابًا أَوْ
نَدْبًا قَطْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي النَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ
وَقِيلَ لَا قَطْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ انْتِفَاءُ الْفِعْلِ
حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ دُونَ الْأَوَّلِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ
إنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ) فِي
الْأَمْرِ أَيْ إنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالضِّدِّ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ أَوْ لَا
أَوْ نَهْيُ التَّحْرِيمِ يَتَضَمَّنُهُ دُونَ نَهْيِ الْكَرَاهَةِ وَتَوْجِيهُهَا
ظَاهِرٌ لِمَا سَبَقَ وَالضِّدُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا كَضِدِّ التَّحَرُّكِ
فَوَاضِحٌ أَوْ أَكْثَرَ كَضِدِّ الْقُعُودِ أَيْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ
فَالْكَلَامُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ أَيًّا كَانَ وَالنَّهْيُ اللَّفْظِيُّ يُقَاسُ
بِالْأَمْرِ اللَّفْظِيِّ. (مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ) حَالَ كَوْنِهِمَا (غَيْرَ
مُتَعَاقِبَيْنِ) بِأَنْ يَتَرَاخَى وُرُودُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ
بِمُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ (أَوْ) مُتَعَاقِبَيْنِ (بِغَيْرِ
مُتَمَاثِلَيْنِ) بِعِطْفٍ أَوْ دُونَهُ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا وَأَعْطِهِ
دِرْهَمًا (غَيْرَانِ) فَيُعْمَلُ بِهِمَا جَزْمًا (والمتعاقبان بِمُتَمَاثِلَيْنِ
وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّكْرَارِ) فِي مُتَعَلَّقِهِمَا مِنْ عَادَةٍ أَوْ
غَيْرِهَا. (وَالثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ) نَحْوُ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ صَلِّ
رَكْعَتَيْنِ (قِيلَ مَعْمُولٌ بِهِمَا) نَظَرًا لِلْأَصْلِ أَيْ التَّأْسِيسِ
(وَقِيلَ) الثَّانِي (تَأْكِيدٌ) نَظَرًا لِلظَّاهِرِ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) عَنْ
التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ لِاحْتِمَالِهِمَا. (وَفِي الْمَعْطُوفِ التَّأْسِيسُ
أَرْجَحُ) لِظُهُورِ الْعَطْفِ فِيهِ (وَقِيلَ التَّأْكِيدُ) أَرْجَحُ لِتَمَاثُلِ
الْمُتَعَلِّقَيْنِ (فَإِنْ رَجَحَ التَّأْكِيدُ) عَلَى التَّأْسِيسِ (بِعَادِيٍّ)
وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعَطْفِ نَحْوُ اسْقِنِي مَاءً اسْقِنِي مَاءً وَصَلِّ
رَكْعَتَيْنِ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّ الْعَادَةَ بِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ
بِمَرَّةٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِالتَّعْرِيفِ فِي الثَّانِي تَرَجَّحَ التَّأْكِيدُ
(قُدِّمَ) لِتَأْكِيدِ رُجْحَانِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَجَّحْ
التَّأْكِيدُ بِالْعَادِيِّ وَذَلِكَ فِي الْعَطْفِ لِمُعَارَضَتِهِ لِلْعَادِيِّ
بِنَاءً عَلَى أَرْجَحِيَّةِ التَّأْسِيسِ حَيْثُ لَا عَادِيَّ (فَالْوَقْفُ) عَنْ
التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ لِاحْتِمَالِهِمَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ التَّكْرَارِ وَالنَّقْلِ
نَحْوُ اُقْتُلْ زَيْدًا اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ الشَّرْعِ نَحْوُ اعْتِقْ عَبْدَك
فَالثَّانِي تَأْكِيدٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ بِعَطْفٍ.النهي (النَّهْيُ)
النَّفْسِيُّ (اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ لَا يَقُولُ كُفَّ) وَنَحْوُهُ كَذَرْ
وَدَعْ فَإِنَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ أَمْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَنَاوَلَ
الِاقْتِضَاءُ الْجَازِمَ وَغَيْرَهُ وَيُحَدُّ أَيْضًا بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي
لِكَفٍّ إلَخْ كَمَا يُحَدُّ اللَّفْظِيُّ بِالْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى مَا ذُكِرَ
وَلَا يُعْتَبَرُ فِي مُسَمَّى النَّهْيِ مُطْلَقًا عُلُوٌّ وَلَا اسْتِعْلَاءٌ
عَلَى الْأَصَحِّ كَالْأَمْرِ (وَقَضِيَّةُ الدَّوَامِ) عَلَى الْكَفِّ (مَا لَمْ
يُقَيَّدْ بِالْمَرَّةِ) فَإِنْ قُيِّدَ بِهَا نَحْوُ لَا تُسَافِرْ الْيَوْمَ إذْ
السَّفَرُ فِيهِ مَرَّةٌ مِنْ السَّفَرِ كَانَتْ قَضِيَّتُهُ (وَقِيلَ) قَضِيَّةُ
الدَّوَامِ (مُطْلَقًا) وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَرَّةِ يَصْرِفُهُ عَنْ قَضِيَّتِهِ
(وَتَرِدُ صِيغَتُهُ) أَيْ لَا تَفْعَلْ (لِلتَّحْرِيمِ) نَحْوُ {وَلَا تَقْرَبُوا
الزِّنَا} (وَالْكَرَاهَةِ) {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
(وَالْإِرْشَادِ) {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}
(وَالدُّعَاءِ) {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} (وَبَيَانِ الْعَاقِبَةِ) {وَلَا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ}
أَيْ عَاقِبَةُ الْجِهَادِ الْحَيَاةُ لَا الْمَوْتُ (وَالتَّقْلِيلِ
وَالِاحْتِقَارِ) {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} أَيْ فَهُوَ قَلِيلٌ حَقِيرٌ بِخِلَافِ مَا عِنْدَ اللَّهِ
وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاحْتِقَارِ جَعَلَهُ الْمَقْصُودَ فِي الْآيَةِ
وَكِتَابَةُ الْمُصَنِّفِ التَّقْلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبُرْهَانِ
بِالْعَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ (وَالْيَأْسِ) {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} (وَفِي
الْإِرَادَةِ وَالتَّحْرِيمِ مَا) تَقَدَّمَ (فِي الْأَمْرِ) مِنْ الْخِلَافِ
فَقِيلَ لَا تَدُلُّ الصِّيغَةُ عَلَى الطَّلَبِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الدَّلَالَةُ
بِهَا عَلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَقِيلَ
فِي الْكَرَاهَةِ وَقِيلَ فِيهِمَا وَقِيلَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ.
(وَقَدْ يَكُونُ) النَّهْيُ (عَنْ وَاحِدٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) عَنْ (مُتَعَدِّدٍ
جَمْعًا كَالْحَرَامِ الْمُخَيَّرِ) نَحْوُ لَا تَفْعَلْ هَذَا أَوْ ذَاكَ
فَعَلَيْهِ تَرْكُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا بِفِعْلِهِمَا
فَالْمُحَرَّمُ جَمْعُهُمَا لَا فِعْلُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ (وَفُرِّقَا كَالنَّعْلَيْنِ
تُلْبَسَانِ أَوْ تُنْزَعَانِ وَلَا يُفْرَقُ) بَيْنَهُمَا بِلُبْسِ أَوْ نَزْعِ
إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ
{لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ
لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا} فَيَصْدُقُ أَنَّهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا لُبْسًا
أَوْ نَزْعًا مِنْ جِهَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لَا الْجَمْعِ فِيهِ
(وَجَمِيعًا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ
فَيَصْدُقُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ مُتَعَدِّدٍ وَإِنْ كَانَ
يَصْدُقُ النَّظَرُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ (وَمُطْلَقُ نَهْيِ
التَّحْرِيمِ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ (وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي
الْأَظْهَرِ لِلْفَسَادِ) أَيْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا
وَقَعَ (شَرْعًا) إذْ لَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الشَّرْعِ (وَقِيلَ لُغَةً)
لِفَهْمِ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ (وَقِيلَ مَعْنًى)
أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ إذَا
اشْتَمَلَ عَلَى مَا يَقْتَضِي فَسَادَهُ (فِيمَا عَدَا الْمُعَامَلَاتِ) مِنْ
عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ ثَمَرَةٌ كَصَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى التَّحْرِيمِ
وَكَذَا التَّنْزِيهُ فِي الصَّحِيحِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا فِي جُمْلَةِ
الشُّمُولِ بِالْأَظْهَرِ وَكَالْوَطْءِ زِنًا فَلَا يُثْبِتُ النَّسَبَ
(مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ النَّهْيُ فِيمَا ذُكِرَ إلَى نَفْسِهِ كَصَلَاةِ
الْحَائِضِ وَصَوْمِهَا أَوْ لَازِمِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ
بِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَالصَّلَاةِ فِي
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِفَسَادِ الْأَوْقَاتِ اللَّازِمَةِ لَهَا
بِفِعْلِهَا فِيهَا. (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْمُعَامَلَاتِ (إنْ رَجَعَ) النَّهْيُ
إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فِيهَا كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ أَيْ مَا فِي
الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ الْمَبِيعِ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ
الْمَبِيعِ (قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ اُحْتُمِلَ رُجُوعَهُ إلَى أَمْرٍ
دَاخِلٍ) فِيهَا تَغْلِيبًا لَهُ عَلَى الْخَارِجِ (أَوْ) رَجَعَ إلَى أَمْرٍ
(لَازِمٍ) كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى
الزِّيَادَةِ اللَّازِمَةِ بِالشَّرْطِ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ
فِي أَنَّ النَّهْيَ لِلْفَسَادِ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا فِي الْعِبَادَةِ فَلِمُنَافَاةِ
النَّهْيِ عَنْهُ لِأَنْ يَكُونَ عِبَادَةً أَيْ مَأْمُورًا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ. وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَةِ
فَلِاسْتِدْلَالِ الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَى فَسَادِهَا بِالنَّهْيِ
عَنْهَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ. (وَقَالَ
الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيُّ لِلْفَسَادِ (فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ)
أَيْ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ فَفَسَادُهَا بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ عُرِفَ
مِنْ خَارِجٍ عَنْ النَّهْيِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ اسْتَدَلُّوا
بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَلَى فَسَادِهَا وَدُونَ غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ
فَفَسَادُهُ مِنْ خَارِجٍ أَيْضًا (فَإِنْ كَانَ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (لِخَارِجٍ)
عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ غَيْرِ لَازِمٍ لَهُ (كَالْوُضُوءِ بِمَغْصُوبٍ)
لِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَيْضًا
وَكَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لِتَفْوِيتِهَا الْحَاصِلِ بِغَيْرِ
الْبَيْعِ أَيْضًا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَغْصُوبِ
كَمَا تَقَدَّمَ (لَمْ يُفِدْ) أَيْ الْفَسَادَ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ
الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْخَارِجُ.
(وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (يُفِيدُ) الْفَسَادَ
(مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً لَمْ يَكُنْ لِخَارِجٍ أَوْ كَانَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ
مُقْتَضَاهُ فَيُفِيدُ الْفَسَادَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِلْخَارِجِ
عِنْدَهُ قَالَ (وَلَفْظُهُ حَقِيقَةٌ وَإِنْ انْتَفَى الْفَسَادُ لِدَلِيلٍ)
كَمَا فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ لِلْأَمْرِ بِمُرَاجَعَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ
لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ جَمِيعِ مُوجِبِهِ مِنْ الْكَفِّ وَالْفَسَادِ فَهُوَ
كَالْعَامِّ الَّذِي خُصَّ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَ) قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ) مُطْلَقُ النَّهْيِ (لَا يُفِيدُ) الْفَسَادَ
(مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ لِخَارِجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ لِمَا سَيَأْتِي فِي
إفَادَتِهِ الصِّحَّةَ قَالَ (نَعَمْ الْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) كَصَلَاةِ
الْحَائِضِ وَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ (غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَفَسَادُهُ عَرَضِيٌّ) أَيْ
عَرَضَ لِلنَّهْيِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ مَجَازًا عَنْ
النَّفْيِ الَّذِي الْأَصْلُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِهِ
لِانْعِدَامِ مَحِلِّهِ هَذَا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْرُوعِ أَمَّا
غَيْرُهُ كَالزِّنَا بِالزَّايِ فَالنَّهْيُ فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَفَسَادُهُ مِنْ
خَارِجٍ. (ثُمَّ قَالَ وَالْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (لِوَصْفِهِ) كَصَوْمِ يَوْمِ
النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِهِ عَنْ الضِّيَافَةِ وَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ
لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ (يُفِيدُ) النَّهْيُ فِيهِ (الصِّحَّةَ) لَهُ
لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي إمْكَانَ وُجُودِهِ وَإِلَّا كَانَ
النَّهْيُ عَنْهُ لَغْوًا كَقَوْلِك لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ فَيَصِحُّ صَوْمُ
يَوْمِ النَّحْرِ عَنْ نَذْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا مُطْلَقًا لِفَسَادِهِ
بِوَصْفِهِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ
فَتَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لِخَارِجٍ كَمَا تَقَدَّمَ
وَيَصِحُّ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ إذَا أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ لَا مُطْلَقًا
لِفَسَادِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بِالْقَبْضِ الْمِلْكَ الْخَبِيثَ كَمَا
تَقَدَّمَ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمُطْلَقِ النَّهْيِ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا
يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ عَدَمِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقًا
(وَقِيلَ إنْ نَفَى عَنْهُ الْقَبُولَ) أَيْ نَفْيُهُ عَنْ الشَّيْءِ يُفِيدُ
الصِّحَّةَ لَهُ لِظُهُورِ النَّفْيِ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ دُونَ الِاعْتِدَادِ
(وَقِيلَ بَلْ النَّفْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ) لِظُهُورِهِ فِي عَدَمِ
الِاعْتِدَادِ (وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ كَنَفْيِ الْقَبُولِ) فِي أَنَّهُ يُفِيدُ
الْفَسَادَ أَوْ الصِّحَّةَ قَوْلَانِ بِنَاءً لِلْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ
الْإِجْزَاءَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِلثَّانِي
عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مَا لَا يُسْقِطُهُ بِأَنْ يَحْتَاجَ
إلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا قَدْ يَصِحُّ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ.
(وَقِيلَ) هُوَ (أَوْلَى بِالْفَسَادِ) مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ لِتَبَادُرِ عَدَمِ
الِاعْتِدَادِ مِنْهُ إلَى الذِّهْنِ وَعَلَى الْفَسَادِ فِي الْأَوَّلِ حَدِيثُ
الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى
يَتَوَضَّأَ} وَفِي الثَّانِي حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ {لَا تُجْزِئُ
صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ.}
Tidak ada komentar:
Posting Komentar